فجر سوريا الجديد- أمل التغيير والوحدة الوطنية بعد عقود من الظلام
المؤلف: حمود أبو طالب10.30.2025

لقد بات وشيكاً بزوغ فجر جديد على سوريا، فليلها قد استطال وامتدت عتمته القاتمة، وجفت ينابيعها الندية، وشاخت نواعيرها التي طالما دارت، وذبل ياسمينها الفواح وتجعدت ملامحها الآسرة، لكنها تجلدت وصبرت، وأيقنت أن قضاء القدر سيقشع يوماً ما تلك الحقبة الحالكة من تاريخها المجيد، وأن شعبها الأصيل لن يستسلم لأغلال القهر والإذلال والتشريد مهما امتدت الأيام. وها هي دمشق الفيحاء تستقبل بزوغ فجر اليوم الثامن من شهر ديسمبر، لتطوي إلى الأبد صفحة تجاوزت نصف قرن من عبث نظام البعث البائد، ولتبدأ صفحة تاريخية جديدة مشرقة، نتضرع إلى الله أن تكون جديرة بأحلامها العريضة وآمالها المرتجاة.
ومع أن درب التغيير نحو الأفضل في كنف الظروف الراهنة ليس بالأمر الهين، إلا أنه ممكن ومتاح، والبدايات المشرقة في سوريا تبشر بأن الشعب قد استخلص العبر والدروس القيمة من المحن القاسية التي ألمت به، والتجارب المريرة التي عصفت ببلدان أخرى. لم تُراق قطرة دم واحدة في المسيرة الميمونة من حلب الشهباء إلى دمشق الغراء، فقوات النظام السابق لم تبد مقاومة للزحف المبارك، لعلمها اليقين بأنه نظام عاجز وفاسد لا يستحق الذود عنه والتضحية من أجله، والشعب لم يعد له من هدف سام سوى التخلص من هذا النظام الغاشم أولاً، ولذلك فقد احتضن فصائل التحرير المجيدة وآزرها وساندها بكل ما أوتي من قوة حتى وصلت إلى قصر الحكم في قلب دمشق، وأعلنت رسمياً سقوط نظام بشار وزمرته الفاسدة وأعوانه الخائنين، وبدأت في تطهير التراب السوري الطاهر من رجس الغرباء الذين نصبهم النظام السابق أوصياء جاحدين على الشعب وأرضه. اليوم الأول من التغيير كان يوماً مشرقاً بالحرص الشديد على اجتناب التخريب والانتقام وتصفية الحسابات الضيقة، والحفاظ على مؤسسات الدولة واستمرار إدارتها الرشيدة، والدعوة الصادقة إلى التفاف كل الأطياف والشرائح حول الوطن في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، وذلك هو ما نرجو تحقيقه ونتطلع إليه.
الفصائل المسلحة قطعت على نفسها عهداً وثيقاً بأنها ستجعل مستقبل البلاد رهن إرادة الشعب في إقامة نظام حكم مدني ديمقراطي رشيد، والحفاظ على مقدرات الوطن وثرواته حتى يتسنى تحقيق ذلك الهدف النبيل، وهذا هو ما يجب عليها أن تفعله إذا كانت منطلقاتها خالصة لوجه الوطن العزيز. لقد أكد زعيم الفصائل أنه لا يجوز تقييمها أو الحكم عليها في هذه المرحلة الحرجة استناداً إلى جذور ماضيها وفكرها وايديولوجيتها، وإنما يجب النظر إلى أفعالها الملموسة وواقعها الراهن وما تقوم به من أجل خدمة الوطن والشعب. فلنحسن الظن بها ولنمنحها الفرصة المواتية لتأكيد صدق ما وعدت به، والأهم الآن أن الشعب السوري قد تنفس الصعداء أخيراً، وفتح أبواب السجون والمعتقلات وخرج عن بكرة أبيه يحتفل بالحرية المسلوبة التي طالما تاقت إليها نفسه.
